الحسن بن الهيثم
رائد علم الضوء في القرن الحادي عشر وصاحب عبقرية خالدة..



من تراثنا العلمي العربي

مولده ونشأته:
هو الحسن، أبو علي، محمد بن الحسن بن الهيثم، ولد عام 354هـ 965م في البصرة، وكان كثير الأسفار، لم يذكر




المؤرخون شيئاً عن حياته في شبابه، حيث ظلت هذه المرحلة من عمره، غامضة، قدم إلى الشام وعاش فيها وعني بتحصيل العلم، والاطلاع على ماوصل إليه من سبقه من الفلاسفة والعلماء، في وقت كان قد تم فيه نقل آثار اليونان في الفلسفة والعلوم المختلفة، كما تم نقل آثار الهند وفارس، في علوم العدد والفلك، وكانت جميع هذه العلوم قد وجدت بين العرب مكاناً رحباً أساغته عقولهم وتمكنت جميعها في نفوسهم، فشرحوها، وعلقوا عليها، وصححوا أخطاءها، وأضافوا إليها الشيء الكثير من ابتكاراتهم·

علومه ومعارفه:
كان ابن الهيثم يعيش في عصر يملؤه ضجيج العلم، وتتنازع فيه العقول والأفكار بشكل تتألق فيه المعرفة، بنور البحث والكشف والتجريب، فانكب في صبر وجلد يغرف من جميع ذلك، ماوسعه الجهد ودرس كل ما وقعت عليه يداه من الكتب، ولا سيما ما كان قد نقل إلى اللغة العربية، عن العلماء والفلاسفة اليونان، فدرس إقليدس، وأبو لونيوس، وأرشميدس، وبطليموس، والمجسطي، ودرس في المنطق والطبيعة وما وراءها، في كتب أرسطو، وشارك في دراسة الطب، وله دراسة مشاركة وإسهام وتخصص في دراسة العين وتشريحها وغريزتها وتعمق في دراستها حتى كان رائدها·
وقد ورد في الجزء التاسع من معجم المؤلفين أن ابن الهيثم يلقب ببطليموس الثاني، وهو رياضي ومهندس وطبيب وحكيم وعارف بالعربية، ومشارك في علوم كثيرة منها العلوم الطبيعية والرياضية والهندسية، وكان دائماً يقول:" وإني مامُدَّت لي الحياة، باذل جهدي، ومستفرغ قوتي في مثل ذلك، متوخياً منه أموراً ثلاثة: أحدها إفادة من يطلب الحق ويؤثره، في حياتي وبعد مماتي، والآخر، أني جعلت ذلك ارتياضاً لي بهذه الأمور، في إثبات مايتصوره ويتقنه فكري من تلك العلوم، والثالث أني صّيرته ذخيرة وعدة لزمان الشيخوخة وأوان الهرم"·
وكان ابن الهيثم عالماً متقناً لعلوم كثيرة فهو صاحب "التصانيف والتآليف في علم الهندسة"، وكان عالماً في هذا الشأن، متقناً له، متفنناً فيه، قيماً بغوامضه ومعانيه، مشاركاً في علوم الأوائل، أخذ عنه الناس واستفادوا منه· ويقول ابن أبي أصيبعة صاحب طبقات الأطباء "إن ابن الهيثم كان متفنناً في العلوم، لم يماثله أحد من أهل زمانه في العلم الرياضي، ولا يقرب منه"·

مؤلفاته:
ذكر أن لابن الهيثم مايقرب من مئتي كتاب، خلا رسائل كثيرة، فقد ألف في الهندسة والطبيعيات، والفلك، والحساب والجبر والطب والمنطق والأخلاق، بلغ منها مايتعلق بالرياضيات والعلوم التعليمية، خمسة وعشرين، وما يتعلق منها بالفلسفة والفيزياء، ثلاثة وأربعين، أما ماكتبه في الطب فقد بلغ ثلاثين جزءاً، وهو كتاب في الصناعات الطبية نظمه من جمل وجوامع مارآه مناسباً من كتب غالينوس، وهو ثلاثون كتاباً:
الأول في البرهان، والثاني في فرق الطب، والثالث في الصناعة الصغيرة، والرابع في التشريح، والخامس في القوى الطبيعية، والسادس في منافع الأعضاء، والسابع في آراء أبقراط وأفلاطون، والثامن في المني، والتاسع في الصوت، والعاشر في العلل والأعراض، والحادي عشر في أصناف الحميات، والثاني عشر في البحران، والثالث عشر في النبض الكبير، والرابع عشر في الأسطقسات على رأي أبقراط، والخامس عشر في المزاج والسادس عشر في قوى الأدوية المفردة والسابع عشر في قوى الأدوية المركبة، والثامن عشر في موضوعات الأعضاء الآلمة، والتاسع عشر في حيلة البرء، والعشرون في حفظ الصحة، والحادي والعشرون في جودة الكيموس ورداءته، والثاني والعشرون في أمراض العين، والثالث والعشرون في أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن، والرابع والعشرون في سوء المزاج المختلف، والخامس والعشرون في أيام البحران، والسادس والعشرون في الكثرة، والسابع والعشرون في استعمال الفصد لشفاء الأمراض، والثامن والعشرون في الذبول، والتاسع والعشرون في أفضل هيئات البدن، والثلاثون جمع حنين ابن إسحاق من كلام غالينوس وكلام أبقراط في الأغذية·
وتبين من تعداد هذه المصنفات أنه ألف في شؤون طبية هامة نقل معظمها عن غالينوس، ولكنه علق عليها وزاد فيها، وألف كتباً أخرى، ذات صلة بالطب والمعالجة، كرسالته في تأثير اللحون الموسيقية، في النفوس الحيوانية، وذلك في وقت لم تكن فيه معالجة بعض الأمراض النفسية، بالألحان الموسيقية قد وجدت طريقها أو احتلت مكانها في دنيا المعالجات النفسية·

شهرته:
وأما شهرة ابن الهيثم الكبرى فجاءته من دراساته الطبيعية والرياضية والهندسية، التي أدخل فيها إلى هذه العلوم نظريات وبحوثاً وتطبيقات جديدة، لم تكن معروفة قبله·
فقد قال عنه الأستاذ مصطفى نظيف في تصديره لكتاب الأستاذ قدري طوقان (الخالدون العرب) : (لقد قلب ابن الهيثم الأوضاع القديمة، وأنشأ علماً جديداً أبطل فيه علم المناظر، الذي أنشأه اليونان، كما أنشأ علم الضوء الحديث، وإن أثره في الضوء لايقل عن أثر(نيوتن) في المكيانيكا، فإن عُدّ (نيوتن) بحق، رائد علم الميكانيكا في القرن السابع عشر، فإن ابن الهيثم، خليق بأن يُعد بحق، رائد علم الضوء، في مستهل القرن الحادي عشر·
وبعد رحيله إلى مصر بأمر من الحاكم بأمر الله الفاطمي، استوطن قبة على باب الجامع الأزهر وراح يعمل بالتصنيف والتعليم ونسخ الكتب القديمة، كان ينسخ في كل سنة ثلاثة كتب، ويبيعها بمبلغ 150 ديناراً هي مؤونته السنوية، وبعد وفاة الحاكم بأمر الله الفاطمي أتم أكبر أعماله العلمية وأعظمها شأناً هو كتاب "المناظر" الذي أحدث دوياً كبيراً في الأوساط العلمية فيما بعد، كما ألف كتاب الذخيرة الذي اختلط أمره على بعض مؤلفي الغرب وظنوا أنه لأبي جعفر الخازن إلى أن وضح هذه الصورة المستشرق الألماني فيدمان Viedmann، وأثبت أن كتاب الذخيرة من تأليف ابن الهيثم، ووصفه ابن خلدون بأنه أشهر العلماء المسلمين، الذين كتبوا في علم الضوء الذي يعود إليه الفضل في إدخال العناصر الأولية من علم الضوء إلى أوربا، وما أورده في كتاب البصائر عن تشريح العين وغريزتها وكيفية الإبصار يدل على أنه كان مطلعاً اطلاعاً عميقاً على عناصر معرفتها فهو وصف العين وصفاً دقيقاً فيما يتعلق بوظيفتها في الإبصار·
وجاءت في كتابه "الذخيرة" ومخطوطة "الفاتح" صور لأجزاء كرة العين وعناصرها التشريحية·
من هنا نستطيع القول: إن ماأتى به ابن الهيثم قبل أكثر من ألف عام، شيء كثير يستحق أن ينحني العلماء أمامه إجلالاً واحتراماً· فهو بحق أكبر فيزيائي عربي، وكتابه في البصريات تضمن أول وصف صحيح للعين بأخلاطها المائية وجسمها البللوري وقرنيتها وشبكيتها وغرفتها المظلمة·
ومن كتبه الهامة أيضاً "الكرة والأسطوانة" و "المخروطات"·

توفي في القاهرة سنة 1039م، ويعد من أعظم العلماء وصاحب عبقرية خالدة ومازالت الحضارة البشرية تستمد منها النور والمعرفة، وكانت مؤلفاته مرجعاً للكثير من علماء الغرب، أمثال بيكون وكيبلرو نيوتن وغيرهم·